الفتوى رقم: 726
الصنف: فتاوى الزكـاة
في التفريق بين الفقير والمسكين والغارم
وشرط الزكاة لهم عدم الاستعانة بها على المعصية
السـؤال:
هل يوجد فرق بين الفقير والمسكين والغارم؟ وهل يجب أن يكونوا من أهل الصّلاح حتى تُعْطَى لهم الزكاة؟ وبارك الله في جهدكم.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فليس بين الفقير والمسكينِ فرقٌ من حيث الحاجةُ واستحقاقُ الزكاةِ، وإنما الفرق فيمن هو أشدّ حاجة لشدّة فاقته.
والظاهرُ أنّ الفقيرَ هو: المتعفّف الذي لا شيءَ له ولا يسألُ الناسَ شيئًا، والمسكينَ هو: الذي له بعضُ ما يكفيه ويسأل الناسَ ويطوفُ ويتبعهم، لذلك قدّم الفقراء على بقية المستحقّين في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة: 60] الآية؛ لأنهم أحوج من غيرهم وأسوأُ حالاً، وقد تكون لهم موانعُ تحولُ دونَ تكسُّبِهم أو لا يَقدِرون على التكسّب لأسباب خاصّةٍ، بحيث يظنُّهم من لا يعرفهم مكفيّين ما يحتاجون إليه، قال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: 273]، بينما المسكين الذي له شيء لكنه لا يكفيه ويسأل الناسَ ويطوف بهم، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ، تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنَّ المِسْكِينَ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقْ عَلَيْهِ وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ»(١- أخرجه البخاري في «الزكاة»، باب قول الله لا يسألون الناس إلحافا: (1409)، ومسلم في «الزكاة»، باب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له: (2393)، وأبو داود في «الزكاة»، باب من يعطى من الصدقة وحد الغني (1631)، والنسائي في «الزكاة» باب تفسير المسكين: (2572)، وأحمد: (10191)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، والحديث يبيّن الأَوْلى منه بالصدقة وهو من لا يسأل الناسَ ولا يُفطن له بالصدقة، ولا يجد ما يغنيه، أمّا المسكين فهو واجِدٌ ما يغنيه طالَمَا سألَ الناسَ وفطن له بالصدقة، ويؤيّده قوله تعالى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البَحْرِ﴾ [الكهف: 79]، فسمّاهم مساكينَ مع أنّ لهم سفينة يعملون فيها.
أمّا الغارمُ فهو: من تحمّل الدَّينَ وشقَّ عليه أداؤه، فقد يكون غنيًّا وقد يكون فقيرًا مسكينًا، ويجوز إعطاءُ الزكاة للفقيرِ والمسكينِ والغارِمِ وغيرهم إذا لم يُستَعَنْ بها على المعصية، كما يجوز إعطاءُ الزكاة لهم إذا كان فيه تأليفٌ لقلبهم. وأولويةُ الزكاةِ لأهل الصلاح مقدّمةٌ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولا ينبغي أن يُعطيَ الزكاة لِمَن لا يستعين بها على طاعة الله، فإنّ الله تعالى فرضها معونةً على طاعته لِمَنْ يحتاجُ إليها من المؤمنين، كالفقراء والغارمين أو لمن يعاون المؤمنين، فمن لا يصلي من أهل الحاجات لا يُعطى شيئًا حتى يتوبَ، ويلتزمَ أداءَ الصلاةِ في وقتها»(٢- «اختيارات ابن تيمية» للبعلي : (103)).
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 2 جمادى الثانية 1428ﻫ
الموافق ﻟ: 17 جوان 2007م
--------------------------------------------------------------------------------
١- أخرجه البخاري في «الزكاة»، باب قول الله لا يسألون الناس إلحافا: (1409)، ومسلم في «الزكاة»، باب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له: (2393)، وأبو داود في «الزكاة»، باب من يعطى من الصدقة وحد الغني (1631)، والنسائي في «الزكاة» باب تفسير المسكين: (2572)، وأحمد: (10191)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٢- «اختيارات ابن تيمية» للبعلي : (103).