التلمود (talmud)
يقول الأب أي. بي. برانايتس, الذي قتله اليهود البلاشفة أبان الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917 , إن كلمة التلمود (Talmud) مستخرجة من كلمة "لامود" (Talmud) التي تعني "تعاليم" , وهي تعبر عن الكتاب الذي يحتوي على التعاليم اليهودية . وحسب التفسير اليهودي يعتبر التلمود بمثابة تفسيرات وشروح للكتاب المقدس – العهد القديم – الذي يدعوه اليهود باسم "التوراة" . وتعرف هذه التفسيرات عندهم باسم "القانون الشفهي" , ويقولون إن موسى (عليه السلام) تلقى من ربه هذه الشروح والتفسيرات إضافة إلى الألواح التي تسلمها من ربه على جبل سيناء . وهذا الجزء من التلمود, أي القانون الشفهي , يعرف باسم مشناه (mishnah) وتعني بالعبرية "المعرفة" (learning) , والمشناه هو الجزء الرئيسي والأساسي للتلمود كله, ويقال حسب المفهوم اليهودي إن النبي موسى (عليه السلام) بعدما تلقى "القانون الشفهي" نقله إلى "جوشوا" , وهذا نقله إلى "الشيوخ" السبعين , وهؤلاء بدورهم نقلوه إلى "الرسل" الذين انتهوا بنقله إلى "كبير اليهود" . كما يقال إن هذه "الرسالة" نقلت بالتتالي إلى عدد من الرابيين (rabbin) ومفردها رابي (rabbi) وهو رجل الدين اليهودي والعالم بالقانون اليهودي .
وحيث إن نصوص "المشناه" كانت بحاجة إلى تفسير وشرح , فقد تولى "الرابيون" و "الحاخامات" وضع ملاحظات وأحكام مختلفة حول محتويات "المشناه" جرى تدوينها من عصر إلى عصر مع إضافات وتعليقات وشروح جديدة حتى أصبحت هذه الإضافات المدونة بمثابة جزء جديد يعرف باسم "الجمارا" (gemarah) وتعني بالعبرية "الإكمال" , وأصبح التلمود مؤلفا من قسمين "المشناه" وهو الأصل , أو المتن و "الجمارا" وهي الإضافات التي وضعها "الرابيون" لشرح المشناه .
غير أن تعاليم "المشناه" لم تطرح كلها على بساط البحث والدرس في المدارس لكل ما يتعلق بالهيكل الذي دمر , وترك البحث , في هذا الموضوع , إلى حين ظهور الياس (elias( النبي والميسيا (messiah) وهو المسيح المنتظر عند اليهود .
موقف التلمود من المسيحيين وغير اليهود :
وحيث إن التلمود حفل بالكثير من العبارات التي تدل على عداء شديد للمسيحية , وبالأوصاف المشينة بحق المسيح ومريم العذراء (عليهما السلام) , فقد تعرض اليهود , بسبب ذلك , لحملات متتالية من الاضطهاد في أوروبا . ولسنا الآن في مجال تحقيق أسباب الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في تاريخهم الطويل , بل ما نريد قوله هنا إن هذا الاضطهاد دفع زعماء الدين اليهودي المجتمعين في بولندا سنة 1631م , إلى اتخاذ قرار أعلنه "الرابيون" ومفاده أنه لا ينبغي طبع أي شيء يضايق المسيحيين ويؤدي بالتالي إلى اضطهاد الإسرائيليين . لذلك كانت هناك رموز لمقاطع كثيرة محذوفة في الكتب اليهودية التي نشرت في القرن اللاحق وما بعده . وفي هذه الحالة أصبح "الرابيون" يشرحون من الذاكرة ما تخفيه هذه الرموز من معان لأنهم يحتفظون لديهم بنسخ من الكتب الأصلية التي قلما يطلع عليها المسيحيون أو غير اليهود .
وقد اضطر اليهود إلى اعتماد هذه الرموز في تفسير المعاني الحقيقية لبعض نصوص التلمود خوفا من اطلاع الآخرين , ولا سيما المسيحيين , على التعاليم السرية في التلمود وخاصة تلك التعاليم التي تتضمن أوصافا وعبارات مشينة بحق المسيح (عليه السلام) والمسيحيين , كما أشرنا قبل قليل .
ولذلك يتناقل اليهود تعاليم التلمود سرا من جيل إلى جيل على أن "النسخة المطهرة" من التلمود , التي اعتمدت في طباعة معظم النسخ الجديدة للتلمود , لا تحتوي على التعاليم السرية التي كانت قد ظهرت في طبعة البندقية عام 1520م , والتي أمر بابا روما بإحراقها بسبب ما ورد فيها من تعاليم هدامة معادية للمسيحيين . وقد ظهرت الطبعات "المطهرة" للتلمود في مدينة "بازل" بسويسرا بين سنتي 1578 و 1581م . وجاء فيها "إن بإمكان المسيحيين أن يقرأوها دون أية إشكالات " .
ومن الجدير بالملاحظة في نسخ التلمود المطبوعة , خلال المائة سنة الأخيرة , وجود فراغات بيضاء أو رسوم دوائر وهي ترمز إلى وجود كلمات في النسخة الأصلية حذفت من هذه النسخ وهذه الكلمات المحذوفة هي ألفاظ نابية في حق المسيح (عليه السلام) ومريم العذراء ورسل المسيحية .
ومع ذلك فقد بقيت في التلمود عبارات تشهد على التعاليم السرية التي حذفها علماء اليهود من نسخ التلمود , وهي تؤكد عنصرية اليهود واحتقارهم لمن عداهم من الشعوب . فمن تعاليم التلمود : "إن اليهودي وحده يحترم كرجل , كل ما في العالم له , وجميع الأشياء يجب أن تكون في خدمته , خصوصا الحيوانات التي لها أشكال آدمية" . ويبيح التلمود لليهودي أن يتظاهر بالمسيحية للاحتيال على غير اليهود . كما يستطيع اليهودي , بموجب تعاليم التلمود , أن يحلف يمينا كاذبة بضمير صاف . وجاء فيه أن الرابي "آكيبها" أقسم بشفتيه لكنه في قلبه نسخ القسم .
وجاء في مؤلف الرابي " آشير" : "إذا أرغم قاضي المدينة يهودا على القسم بأنهم لن يفروا من المدينة حاملين أي شيء منها فباستطاعتهم القسم على ذلك زيفا قائلين لأنفسهم إنهم لن يفروا اليوم , ولن يحملوا معهم أي شيء من المدينة , اليوم فقط" .
وبذلك يجوز لليهودي أن يحلف يمينا كاذبة على أن يؤولها في سره إلى معنى آخر , وشرط ألا يكتشف الآخرون غشه وكذبه , ولا تعتبر اليمين التي يقسم بها اليهودي في معاملاته مع باقي الشعوب يمينا حقيقية لأنه أقسم لحيوان والقسم لا يعتبر يمينا , ولذلك يجوز لليهودي أن يحلف زورا أمام غير اليهود .
ولا ينبغي لليهودي , بحسب التلمود , أن يجاهر بقصده الحقيقي حتى لا يضيع اعتبار الدين أمام أعين باقي الأمم , أي غير اليهود . ومن الواجب الديني على اليهود "أن يسعوا في إعلاء شأن الديانة اليهودية بواسطة إصلاح الظواهر ولو كانوا أشرارا في الباطن" . ومن أقوال رابي "كرونر" في هذا الشأن : إن التلمود يصرح لليهودي بأن يسلم نفسه للشهوات إذا لم يمكنه أن يقاومها , ولكن عليه أن يفعل ذلك سرا لئلا يلحق الضرر بالديانة.
وحسب تعاليم التلمود فإن من الجائز لليهودي إذا قابل أجنبيا أن يوجه له السلام ويقول له : "الله يساعدك أو يباركك" على شرط أن يستهزئ به سرا .
ويبيح التلمود لليهود أن يسرقوا أموال الخارجين عن دين اليهود ما لم يكتشف الآخرون السرقة . فالسرقة من الأجانب ليست سرقة عندهم بل استرداد لأموال اليهود .